Sunday, 28 October 2012

يوم النتيجة: مشهد من الجامعة


أيّام الشّهر تمرّ مرّ السّحاب.. انتهت الامتحانات منذ أسبوعين و اليوم جاء الطّلّاب لحضور نتيجة نهاية العام. الوقت هو العصر، و المكان أمام إدارة الكلّيّة حيث ستُعلّق النّتائج مكتظٌّ بالطّلّاب المتوتّرين. مرّت ساعة... ساعةٌ أخرى... و كلما مرّت الدّقائق قلّ الكلام و تصاعدت حدّة التّوتّر حتّى أصبح الصّمت هو المهيمن، و المشهد هو لشبابٍ في وضعيّاتٍ مختلفة توقّفوا عن مجرّد محاولة فعل أي شيء سوى الجلوس و الانتظار... كلّ حركة داخل المبنى تبعث نفضةً في الفوج فتلتفت مئات الرّؤوس ثمّ لا تلبث أن تعود للنّظر في الأرض ثانيةً. يكاد يكون بالإمكان سماع الأفكار الّتي تزنّ الآن في الرؤوس في هذه الدّقائق الثّقيلة..
فتاةٌ تقضم أظافرها و عيناها تحدّق في اللّا شيء.. "ماذا لو رسبتُ في أكثر من مادّة؟ إن لم أنجح في مادّة وظائف الأعضاء فأنا قطعاً لن أستطيع أن أنجح في امتحان الملحق... هل..؟" و لا تجرؤ في التّفكير في ما بعد ذلك فتنتابها رعشة خفيفة ثمّ تتلفّت باحثةً عن شيءٍ يلفت انتباهها لينقذها من التّفكير في هذا الكابوس..شابٌّ يتّكئ على الحائط المقابل لمبنى الإدارة. لا يُظهر منظره الهادئ القلق الّذي ينتابه. في الحالة الطّبيعيّة فإن الشّباب لا يقلقون بشأن النّتائج كما البنات و لكنّ كلّ اللّا مبالاة تنهار أمام سطوة الموقف الرّهيب.. " تُرى هل يستقصدني استاذ فلان بعدما طردني من محاضرته تلك؟ هل يفعل بي كما فُعل بزميلنا فلان فلبث في ذات المستوى لثلاث سنوات؟ لا أستبعدُ أن يفعل ذلك، ذلك الرّجل الحاقد.. سنرى إن تجرّأ أن..." و تنعقد حواجبه و هو يتصوّر ماذا سيفعل بالأستاذ الّذي يجرؤ أن يضع له التّقييم "راسب"..حركةٌ أخرى من داخل مبنى الإدارة تقطع حبال أفكار الجميع، و مرّةً أخرى يلتفت الجميع بحركةٍ تلقائيّة ناحية الباب.. أحدهم قادم، صوت خطوات.. و انحبست الأنفاس. كان الخارج يحمل أوراقاً بين يديه و وراءه الشّاب المسؤول من قاعات الكلّيّة يحمل دبابيس ضغط. بدا الأخير مترقّباً هو الآخر، إذ كان يعلم أنّه في أيّ لحظة ستنقض عليهما مئات الكتل المنفعلة و الّتي لن تفرّق بين الأسود و الأبيض في حالتها هذه. مئات الأعين تراقبهما و هما يتجاوزان اللّوح المخصّص لإعلانات السّنة الأولى، ثمّ الثّانية، و كذلك الثّالثة.. و يتوقّفان تحت اللّافتة "المستوى الرّابع". بأسرع ما يمكن قاما بتثبيت النّتائج و هدير الأقدام الكثيرة يعلو من خلفهم. في النّهاية كان الإثنان يصارعان التيّار العظيم الّذي كان كلّ هدفه الوصول للوحة الإعلانات، و بعد عدّة دقائق تركا الجمع المتزايد وراءهما و وقفا يلتقطان أنفاسهما، و تظهر على وجههما تعابير الإمتعاض لعلمهما أنّ هناك أربعة نتائج أخرى يجب أن تُعلّق وسط صراعٍ لا يُتوقّع أن يكون أقلّ من هذا. دلفا ثانيةً داخل مبنى الإدارة.. و لكن ماذا عن الطّلّاب؟إنّ لحظة تعليق النّتيجة من اللّحظات القليلة على الأرض الّتي تنمحي فيها كلّ المبادئ (مثل السّيدات أوّلاً) و الأدب و الذّوق و كلّ الأفكار كذلك.. لكلٍ امرءٍ يومئذٍ شأنٌ يغنيه، فلا توجد أفكارٌ كـ "هذه الّتي تصارعها فتاةٌ" و لا "فلانٌ هذا جاء قبلي" و لا تلتفت للصّيحات المذعورة الّتي تسمعها وراءك سواءً بـ"اقرأ لي نتيجتي معك" أو كانت تعابير أصحابها عن مشاعرهم بعد رؤية نتائجهم.. و يصبح العالم بأكمله هو فقط أنت و ذلك الورق المعلّق و الّذي عليه نتيجتك.. مصيرك.أمّا الطّلّاب المساكين و الّذين كانوا لا زالوا ينتظرون تعليق نتيجتهم فقد كانوا يعانون الأمرّين، فقد أطبق الجمع تماماً على النّتيجة و لم يكد يُرى شيءٌ وسط الكتلة الكبيرة المتحرّكة.... و فجأة.. صرخةٍ عالية. و تركّزت أبصار من خارج الدّائرة على الشّاب الّذي كان يتقافز و يصارع في ذات الوقت للخروج من ذلك الجنون.. يصرخ و وجهه كلّه يتنفّس الصّعداء، و قفز وسط الأذرع الكثيرة الّتي تلقّفته و رفعته للحظاتٍ قبل أن يتذكّر أصحابها نتائجهم هم الآخرون فيخلّون سبيله.نصف ساعة مرّت، و رغم أنّ الزّحام حول اللّوحة لم يخفّ بعد، خرج (المعلّقان) ثانيةً من أعماق الإدارة يحملان نتائج مستوىً آخر. هذه المرّة كانت الأعصاب مشدودةً أكثر من قبل بالطّبع، فهناك علاقةٌ طرديّة بين طول الإنتظار و حدّة التّوتّر.. أضف إلى ذلك المناظر الّتي اختبروها، و الّتي تنوّعت بين البكاء الهستيري و الانهيارات العصبيّة و الزّغاريد و الصّراخ بشتّى أنواعه.. و كان الطّلّاب أشدّ انقضاضاً من سابقيهم على اللّوح.. طلّاب المستوى الثّالث.تبعت ذلك نتائج المستوى الخامس.. فالثّاني... و بقي المستوى الأوّل. بالطّبع كلّ من يستمع أو يقرأ (ممن لم يكونوا مع الحضور)سيستنكرون تأخّر تعليق نتائج هؤلاء رفقاً بهم و بأعصابهم المسكينة.. و لكن من يدري؟ ربّما كان من الأفضل لهم ألّا يروا نتائجهم مبكّراً، إنّهم لا يدرون كيف سيشعرون (بتحسّنٍ..؟ أم سيشعرون بماهو الأسوأ؟) بعد رؤيتها..؟

No comments:

Post a Comment